الجيش السوداني يطرد الدعم السريع من القصر- بداية النهاية للتمرد

المؤلف: الصادق الرزيقي09.11.2025
الجيش السوداني يطرد الدعم السريع من القصر- بداية النهاية للتمرد

في فجر يوم 21 مارس/ آذار 2025، حققت القوات المسلحة السودانية نصرًا حاسمًا، حيث تمكنت من دحر عناصر مليشيا الدعم السريع من القصر الجمهوري، الذي يمثل القلب النابض للعاصمة الخرطوم. وبعد اشتباكات عنيفة استمرت لساعات، تمكنت القوات الحكومية من ملاحقة فلول المليشيا المتمردة في أرجاء العاصمة، التي بدت شبه خالية من أي تواجد للمتمردين الذين كانوا يسيطرون على المنطقة لفترة ليست بالقصيرة. هذا الانتصار جاء بعد أيام قليلة من ظهور "محمد حمدان دقلو"، قائد المتمردين، في تسجيل مرئي، حيث أعلن بثقة زائفة عدم نية قواته الانسحاب من القصر الجمهوري وولاية الخرطوم، وتعهد بمواصلة القتال، معبرًا عن أمله الزائف في تحقيق النصر.

وبغض النظر عن تفاصيل المعارك الضارية التي شهدتها شوارع العاصمة السودانية، فإن نجاح الجيش في إزاحة التمرد وإنهاء تواجده في أهم منطقة سيادية في البلاد، يعتبر إنجازًا استراتيجيًا. فقد قامت القوات المسلحة بعمليات تمشيط دقيقة لتأمين محيط القصر الجمهوري بالكامل، وتمكنت من استعادة السيطرة على الوزارات الاتحادية، والمقرات الحكومية الحيوية، والعديد من المواقع والبنايات التجارية الهامة، بما في ذلك المصارف الرئيسية. بهذا الإنجاز، يكون الجيش السوداني قد أغلق فصلًا مؤلمًا استمر لعدة سنوات منذ أبريل/ نيسان 2019، وهي الفترة التي شهدت تواجدًا متزايدًا للدعم السريع داخل القصر الجمهوري ومحيطه، ثم استيلائهم على كامل المنطقة بعد اندلاع الحرب في 15 أبريل/ نيسان 2023.

لا يختلف اثنان في أن هزيمة قوات الدعم السريع وطردها من مقر الرئاسة السودانية، ومن داخل ولاية الخرطوم بأكملها، يمثل انتصارًا مدويًا للجيش السوداني، ونهاية لمغامرة غير محسوبة العواقب قامت بها المليشيا المتمردة. فقد توهمت هذه المليشيا، بتهورها العسكري وانقلابها على السلطة الشرعية في 15 أبريل/ نيسان 2023، أنها قادرة على السيطرة على السودان، والاستيلاء على مقاليد الحكم، وفرض إرادتها وإرادة داعميها الخارجيين، والهيمنة على بلد زاخر بالحركة والتفاعلات السياسية والاجتماعية، وغني بموارده وثرواته الطبيعية الوفيرة.

من الأهمية بمكان أن نتأمل مليًا في دلالات استعادة الجيش السيطرة على القصر السيادي، وأن نتمعن بعمق في ما تعنيه هذه التطورات العسكرية والميدانية، وما سيكون لها من تأثير بالغ على المشروع السياسي الطموح لقوات الدعم السريع، ومخططات القوى الخارجية التي تسعى جاهدة لابتلاع السودان واستغلال ثرواته. وقبل الخوض في هذه الدلالات، لا بد من التذكير بالمراحل المختلفة لتنفيذ المخططات والاستراتيجيات التي وضعت للمنطقة والسودان، والتي أعدتها دوائر غربية معروفة، وعلى رأسها الدراسة التي وضعها مركز الدراسات الاستراتيجية بواشنطن في عام 1981، وما ورد في كتابات وأبحاث برنارد لويس والعديد من الخبراء الاستراتيجيين الغربيين والإسرائيليين، حول كيفية صناعة واقع سياسي واجتماعي جديد في السودان، أو تقسيمه إلى دويلات متناحرة، إذا فشلت عملية تحويله إلى بلد منزوع الهوية، وإبعاده قسرًا عن توجهاته وخصائصه الحضارية وروابطه التاريخية، ليتحول إلى بلد أفريقي لا صلة له بانتماءاته العربية والإسلامية العريقة.

لقد تم بالفعل تنفيذ هذا المشروع على مراحل، بداية عن طريق الحركة الشعبية بقيادة جون قرنق، التي تأسست في عام 1983، ولكن محاولات قرنق باءت بالفشل، مما أدى إلى فصل جنوب السودان. ثم حاولوا تحقيق أهدافهم الخبيثة عبر تمرد حركات دارفور في عام 2003، ولكن هذه المحاولة أخفقت أيضًا. وأخيرًا، تمت عملية تهيئة قوات الدعم السريع بتدقيق وتخطيط محكمين، لكي تقوم بالمهمة وفقًا لقراءات وافية، ولكنها بدورها الآن تفشل في تحقيق هذا المشروع ومطلوباته المشبوهة.

إن أولى آثار ودلالات انتصارات الجيش السوداني في العاصمة الخرطوم، والتي سبقتها انتصارات في ولايات سنار والجزيرة وشمال كردفان وشمال دارفور، هي أن مليشيا الدعم السريع، التي حققت تقدمًا ملحوظًا في العام الأول من الحرب في عدة جبهات، تعاني الآن من حالة انهيار وتراجع متسارع، وتتكبد خسائر فادحة ومتكررة. ويعزى ذلك إلى عوامل موضوعية عديدة، في مقدمتها غياب القيادة الموحدة، وفقدان مراكز التوجيه والسيطرة، وانغماسها الكامل وسط المتاهة الجهنمية باعتبارها مليشيا لا تمتلك أي خبرة في العمل العسكري الاحترافي.

نتيجة لذلك، بدأت الخلافات الحادة تدب وسط صفوف المليشيا، وبرزت اتهامات التخوين المتبادلة، وتزايدت معدلات الإحباط، وانخفضت الروح المعنوية للمقاتلين في كل ميادين القتال، مع هروب أعداد كبيرة من المقاتلين، خاصة المرتزقة الذين تم جلبهم من أفريقيا جنوب الصحراء، ومن وراء البحار من أمريكا الجنوبية، ومن القرن الأفريقي. وقد تسبب ذلك في فقدان المليشيا لمجموعة كبيرة من القادة الميدانيين وأعداد ضخمة من قوات النخبة التي تم تدريبها جيدًا، وأُعدت إعدادًا متقدمًا للاستيلاء على العاصمة وبسط السيطرة الكاملة على القصر الجمهوري ومؤسسات الدولة منذ اليوم الأول للحرب، وانتظار قائد التمرد (حميدتي) لإعلانه رئيسًا للسودان حال الانتصار على الجيش السوداني.

لعل أبرز ما خططت له قوات الدعم السريع منذ بداية الحرب، هو ترتيبات الانتقال إلى مرحلة الحسم. فبعد مضي عام كامل من الحرب، أكملت قوات الدعم السريع والقوى السياسية المتحالفة معها (تقدم) تصورًا مع الجهات الخارجية الراعية لإعلان سلطة متكاملة.

تقوم هذه الخطة على ركيزتين أساسيتين، وهما: الحفاظ على القصر الجمهوري كرمز للسيادة للدولة، بحيث يكون القصر الرئاسي تحت السيطرة عند الإعلان عن الحكومة الجديدة، وتنطلق منه الدعاية السياسية. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تكون مباني مؤسسات الدولة التي تتواجد فيها داخل الخرطوم جاهزة من أجل هذه الخطوة.

وقد شرعت قوات الدعم السريع وحلفاؤها في تنفيذ ما خُطط له، كما ظهر مؤخرًا في اجتماعات نيروبي، ومن بينها إشهار الحكومة الموازية، التي كان من المقرر إعلانها قبل نهاية شهر رمضان المبارك.

خلال هذا التصور، عملت المليشيا المتمردة على تعزيز وجودها بالإبقاء على قواتها ذات التدريب العالي وسط الخرطوم، وداخل القصر الجمهوري، وأضافت إليها عددًا من الفنيين والخبراء المرتزقة المتخصصين في أسلحة الدفاع الجوي والمدفعية وأجهزة التشويش وصواريخ متوسطة المدى ومسيرات ومضادات دروع وطيران، بجانب طواقم ذات خبرة عالية في مجال الاتصالات والتقنية العسكرية، ونَشرت أعدادًا إضافيّة من القناصة في وسط العاصمة ومحيط القصر الجمهوري.

حسب إفادة قيادي بارز داخل قوات الدعم السريع، قالها لمجموعة من المشاركين في اجتماعات نيروبي الشهر الفائت: "مع عدم وجود رغبة من الجيش السوداني في قصف القصر أو تدميره على رؤوس قواتنا، لا بد من الاستفادة من هذه الميزة في المحافظة عليه كرمز للحكم والسلطة، وعندما تُعلن حكومتنا في نيروبي من المهم أن يكون القصر بأيدينا، ولا بد من المحافظة عليه لنجاح الخطة".

لذلك كانت محاولة السيطرة من جانب المليشيا على القصر الجمهوري والقتال دونه طيلة هذه الفترة، يمثل أولوية قصوى لها، وهو ما يفسّر إصرار (حميدتي) في حديثه الأخير وعزمه التمسك بالقصر الجمهوري، وحاول إعطاء قواته المتواجدة داخله شحنات الدفع المعنوي الكافية للذود عنه.

بفقدان القصر الرئاسي، والوزارات ومقار الحكومة وسط العاصمة، تفقد مليشيا الدعم السريع مناطق وجودها وتمركزها داخل ولاية الخرطوم، وتتلاشى آمالها في حيازة السلطة، وتتجرع مرارة خسارتها القاسية. ولم يعد هناك خيار آخر أمام المليشيا لتعويض ما حصدته من خيبات عسكرية، مع بروز حالات من الشك والريبة لدى حلفاء التمرد الذين شعروا، حسب المعلومات المتطابقة في نيروبي، بأن قوات الدعم السريع باتت على شفير الهاوية، بعد توالي هزائمها المدوية، ولم يتبقَ لها إلا عواصم وأجزاء من أربع ولايات بدارفور، وبعض ولاية غرب كردفان.

ستكون المرحلة المقبلة قاسية وصعبة للغاية على الميليشيا المتمردة، في مقابل الحالة المعنوية العالية التي يتمتع بها الجيش السوداني، المتقدم بثبات في كل المحاور، والذي صوّب فوهات مدافعه نحو التمرد في ولايات دارفور، بغرض تحريرها وإنهاء وجود مليشيا الدعم السريع هناك بشكل كامل.

يواجه المتمردون أيضًا موجة تحولات متسارعة في الإقليم، مع وجود تغيير إيجابي لصالح حكومة السودان داخل الاتحاد الأفريقي والدول الإقليمية الفاعلة وفي الفضاء القاري.

كما أن الموقف الغربي، سواء الأميركي أو الأوروبي، مرهون بما ستسفر عنه العمليات العسكرية على الأرض، خاصة داخل العاصمة، بعد تزايد الانتقادات الموجهة لمليشيا الدعم السريع ورصد انتهاكاتها الخطيرة وجرائمها ضد الإنسانية في ولايات دارفور وولاية الخرطوم ضد المدنيين الأبرياء.

وفي هذا السياق، ونتيجة لرعاية وتسهيل الحكومة الكينية للاجتماعات الأخيرة للمليشيات المتمردة وحلفائها ولقاءاتهم المكثفة لتكوين حكومة موازية، تتكاثف التحركات السياسية الداخلية من المعارضة الكينية واتحادات مصدري الشاي (الذين يمثلون 250 مليون دولار دخْلُ كينيا من صادرات الشاي للسودان) والغرف التجارية وقطاعات إعلامية وصحفية وبرلمانيين، بهدف محاصرة حكومة الرئيس وليام روتو المتحالف مع قوات الدعم السريع، وما تسبب فيه من تدهور للعلاقات مع السودان وتضييع للمصالح الاقتصادية، فضلًا عن تهديد الحكومة السودانية بإغلاق أجواء بلادها أمام الطيران الكيني.

والراجح أن تقود الضغوط الداخلية المتزايدة على الرئيس روتو والنصائح التي وردته من دول إقليمية فاعلة إلى حجب أو تقليل الدعم السياسي المقدم للمليشيا المتمردة، بعد تراجعها الميداني والعسكري الملحوظ.

إذا كانت حكومة السودان تتقدم بقوة للقضاء على قوات الدعم السريع، كما يؤكد رئيس مجلس السيادة وبعض أعضاء المجلس في تصريحاتهم الأخيرة، فإنها بلا شك وبفضل الحافز المعنوي الكبير الذي حازته بعد عملياتها العسكرية المحكمة في ولاية الخرطوم وتحرير 95% منها، وبسط السيطرة الكاملة على مؤسسات الدولة بما فيها القصر الرئاسي، ستمضي قدمًا في تنفيذ بقية مراحل خطتها العسكرية لتحرير بقية الولايات في دارفور التي تنتقل نحوها الحرب الآن، والتي تعتبرها أسهل بالنسبة للجيش السوداني من حرب المدن المعقدة.

لقد تمَّ حشد قوات ضخمة من الجيش والقوات المشتركة والقوات الأمنية والشرطة والمستنفرين، وبقية المجموعات المستنفرة من ولايات دارفور من أجل المعركة الفاصلة. وتبدو عملية طرد مليشيا الدعم السريع من القصر الرئاسي ومحيطه ومن وسط العاصمة، بدايةَ النهاية للتمرد في السودان، وإعلانًا مبكرًا لهزيمة قوات الدعم السريع والجهات الخارجية الداعمة لها، وحصاد الهشيم لكل من راهن على مليشيا مارقة في اختطاف الدولة السودانية.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة